هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:29 pm

محمود درويش

في عام 1942 وُلد محمود درويش في قرية "البروة" بالقرب من عكا، في إحدى الليالي حالكة السواد استيقظ فجأة على أصوات انفجارات بعيدة تقترب، ويستيقظ الطفل محمود درويش ليجد نفسه في مكان جديد اسمه "لبنان"، وهنا يبدأ وعيه بالقضية وفي عامه السابع عشر تسلل إلى فلسطين عبر الحدود اللبنانية هكذا عاد الشاب محمود درويش إلى قريته فوجدها قد صارت أرضا خلاء، فصار يحمل اسما جديدا هو: "لاجئ فلسطيني في فلسطين"، وهو الاسم الذي جعله مطاردًا دائما من الشرطة الإسرائيلية، عمل محررا ومترجما في الصحيفة التي يصدرها الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، وهو الحزب الذي رفع في تلك الفترة المبكرة من الستينيات شعارا يقول: "مع الشعوب العربية.. ضد الاستعمار"وهي الفترة ذاتها التي بدأ يقول فيها الشعر، واشتُهر داخل المجتمع العربي في فلسطين بوصفه شاعرا للمقاومة لدرجة أنه كان قادرا بقصيدته على إرباك حمَلة السلاح الصهاينة، فحينئذ كانت الشرطة الإسرائيلية تحاصر أي قرية تقيم أمسية شعرية لمحمود درويش. ففي مطلع السبعينيات وصل محمود درويش إلى بيروت وفي عام 1977 وصلت شهرته إلى أوجها، حيث وُزع من كتبه أكثر من مليون نسخة في الوقت الذي امتلكت فيه قصائده مساحة قوية من التأثير على كل الأوساط، حتى إن إحدى قصائده (عابرون في كلام عابر) قد أثارت نقاشا حادا داخل الكنيست الإسرائيلي هذا التأثير الكبير أهَّله بجدارة لأن يكون عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اختاره "عرفات" مستشارا له فيما بعد ولفترة طويلة، وقد كان وجوده عاملا مهما في توحيد صفوف المقاومة
كان محمود درويش مقيما في بيروت منذ مطلع السبعينيات، وعلى الرغم من تجواله المستمر إلا أنه قد اعتبرها محطة ارتكازه، أثناء قصف بيروت الوحشي، كان محمود درويش يعيش حياته الطبيعية، يخرج ويتنقل بين الناس تحت القصف، أسهم هذا القصف في تخليه عن بعض غموض شعره لينزل إلى مستوى أي قارئ، فأنتج قصيدته الطويلة الرائعة "مديح الظل العالي"، معتبرا إياها قصيدة تسجيلية ترسم الواقع الأليم، وتدين العالم العربي، بل الإنسانية كلها
في عام 1993 وأثناء تواجده في تونس مع المجلس الوطني الفلسطيني، أُتيح لمحمود درويش أن يقرأ اتفاق أوسلو، واختلف مع ياسر عرفات لأول مرة حول هذا الاتفاق، فكان رفضه مدويا، وعندما تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى قدم استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني، وعاد درويش في يونيو 1994 إلى فلسطين، واختار الإقامة في رام الله
وكان درويش قد شارك في الانتفاضة بكلماته التي لا يملك غيرها بديوان كتبه في أقل من شهر عندما كان محاصرا في رام الله، اللافت أن درويش لم يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون في أي قصيدة من قصائد الديوان. وقال درويش بشأن ذلك: إن شارون "لا يستحق قصيدة فهو يفسد اللغة.. هو متعطش للدماء ولديه حقد كبير, ولكن المشكلة في الدعم الأميركي الذي يمنحه بعد كل مجزرة وساما بأنه رجل سلام".

هذه نبذة عن حياة محمود درويش والآن اترككم مع أعماله

(أحـبك أكثر)


تَكَبَّرْ…تَكَبَّر!
فمهما يكن من جفاك
ستبقى، بعيني ولحمي، ملاك
وتبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك
نسيمك عنبر
وأرضك سكَّر
وإني أحبك… أكثر
يداك خمائلْ
ولكنني لا أغني
ككل البلابلْ
فإن السلاسلْ
تعلمني أن أقاتلْ
أقاتل… أقاتل
لأني أحبك أكثر!
غنائي خناجر وردْ
وصمتي طفولة رعد
وزنبقة من دماء
فؤادي،
وأنت الثرى والسماء
وقلبك أخضر…!
وَجَزْرُ الهوى، فيك، مَدّ
فكيف، إذن، لا أحبك أكثر
وأنت، كما شاء لي حبنا أن أراك:
نسيمك عنبر
وأرضك سكَّر
وقلبك أخضر…!
وإنِّي طفل هواك
على حضنك الحلو
أنمو وأكبر!

(مديح الظل العالي)


(1)

كم كنت وحدك يا ابن أمي

يا ابن أكثر من أبي

كم كنت وحدك

القمح مر في حقول الآخرين

والماء مالح

والغيم فولاذ

وهذا النجم جارح

وعليك أن تحيا

وأن تعطي مقابل حبة الزيتون جلدك

(2)

حطوك في حجر وقالوا: لا تسلم

رموك في بئر وقالوا: لا تسلم

وأطلت في حربك يا ابن أمي

ألف عام في النهار

فأنكروك لأنهم لا يعرفون

سوى الخطابة والفرار

هم يسلخون الآن جلدك

فاحذر ملامحهم وغمدك

كم كنت وحدك

(3)

بيروت.. لا

ظهري أمام البحر أسوار ولا

قد أخسر الدنيا.. نعم

قد أخسر الكلمات والذكرى

لكني أقول الآن: لا

هي آخر الطلقات: لا

هي ما تبقي من هؤلاء الأرضُ: لا

هي ما تبقى من نشيج الروح: لا

سقط القناع عن القناع عن القناع

سقط القناع

لا إخوة لك يا أخي

لا أصدقاء يا صديقي

لا قلاع

لا الماء عندك

لا الدواء، ولا السماء، ولا الدماء

ولا الشراء، ولا الأمام، ولا الوراء

حاصر حصارك.. لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها

واضرب عدوك.. لا مفر

وسقطت قربك فالتقطني

واضرب عدوك بي

فأنت الآن حر

قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة

فاضرب بها

اضرب عدوك.. لا مفر

(4)

وأنا التوازن بين ما يجب

كنا هناك..

ومن هنا ستهاجر العرب

قصب هياكلنا وعروشنا قصب

في كل مئذنة حاو ومغتصب

يدعو لأندلس إن حوصرت حلب

وأنا التوازن

بين من جاءوا ومن ذهبوا

وأنا التوازن

بين من سُلبوا ومن سلبوا

وأنا التوازن

بين من صمدوا ومن هربوا

وأنا التوازن بين ما يجب

(5)

أهدي إلى جاري الجريدة

كي يفتش عن أقاربه

أعزيه غدا

أمشي لأبحث عن كنوز الماء في قبو البناية

يدخل الطيران أفكاري ويقصفها

فيقتل تسع عشرة طفلة

يتوقف العصفور عن إنشاده

والموت يأتينا بكل سلاحه

البري والجوي والبحري

ما زلت أحيا

ألف شكر للمصادفة السعيدة

يبذل الرؤساء جهدا عند أمريكا

لتفرج عن مياه الشرب

كيف سنغسل موتانا؟

(6)

ولا جديد لدى العروبة

بعد شهر

يلتقي كل الملوك بكل أنواع الملوك

من العقيد إلى الشهيد

ليبحثوا خطر اليهود

أما الآن

فالأحوال هادئة تماما مثلما كانت

وإن الموت يأتينا

بكل سلاحه الجوي والبري والبحري

مليون انفجار في المدينة

وأمريكا على الأسوار

تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية

يا هيروشيما العاشق العربي

أمريكا هي الطاعون

والطاعون أمريكا

نعسنا.. أيقظتنا الطائرات

وصوت أمريكا

وأمريكا لأمريكا

وهذا الأفق أسمنت لو حسن الجو

نفتح علبة السردين تقصفها المدافع

نحتمي بستارة الشباك.. تهتز البناية

تقفز الأبواب

أمريكا وراء الباب

نمشي في الشوارع باحثين عن السلامة

من سيدفننا إذا متنا؟



(بطاقـة هويـة)


سجِّل! أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟
سجِّلْ!
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟

سجل!
أنا عربي
أنا إسمٌ بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري...
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نجبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل ترضيكَ منزلتي؟
أنا إسمٌ بلا لقبِ!
سجل!
أنا عربي
ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟

سجِّل
أنا عربي
سلبتَ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ..
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ.. كما قيلا؟!!
إذن!
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ.. من جوعي

ومن غضبي


(الورد والقامـوس)


وليكن.
لا بد لي...
لا بد للشاعر من نخب جديدْ
وأناشيد جديده
إنني أحمل مفتاح الأساطير وآثار العبيد
وأنا أجتاز سرداباً من النسيان
والفلفل، والصيف القديم
وأرى التاريخ في هيئة شيخ،
يلعب النرد ويمتصُّ النجوم

وليكن
لا بدَّ لي أن أرفض الموت،
وإن كانت أساطيري تموت
إنني أبحث في الأنقاض عن ضوء، وعن شعر جديد
آه... هل أدركت قبل اليوم
أن الحرف في القاموس، يا حبي، بليد
كيف تحيا كل ُّهذي الكلمات!
كيف تنمو؟... كيف تكبر؟
نحن ما زلنا نغذيها دموع الذكريات
واستعارات... وسُكَّر!

وليكن...
لا بد لي أن أرفض الورد الذي
يأتي من القاموس، أو ديوان شعر
ينبت الورد على ساعد فلاّح، وفي قبضة عامل
ينبت الورد على جرح مقاتل
وعلى جبهة صخر



(العصافير تموت في الجليل)


عصافير الجليل

نلتقي بعد قليل
بعد عام
بعد عامين

وجيلْ...
ورَمَتْ في آلة التصوير
عشرين حديقةْ
وعصافيرَ الجليل.

ومضتْ تبحث، خلف البحر،

عن معنى جديد للحقيقة.

وطني حبل غسيل

لمناديل الدم المسفوك

في كل دقيقةْ

وتمددتُ على الشاطئ

رملاً... ونخيلْ.

هِيَ لا تعرف-

يا ريتا! وهبناكِ أنا والموتُ

سِر الفرح الذابل في باب الجماركْ

وتجدَّدنا، أنا والموت،

في جبهتك الأولى

وفي شبّاك دارك.

وأنا والموت وجهان-

لماذا تهربين الآنَّ من وجهي
لماذا تهربين؟

ولماذا تهربين الآن ممّا

يجعل القمح رموشَ الأرض، ممّا

يجعل البركان وجهاً آخراً للياسمين؟...

ولماذا تهربينْ ؟...

كان لا يتعبني في الليل إلا صمتها

حين يمتدُّ أمام الباب

كالشارع... كالحيِّ القديمْ

ليكن ما شئت - يا ريتا –

يكون الصمتُ فأساً
أو براويز نجوم

أو مناخاً لمخاض الشجرةْ.

إنني أرتشف القُبلَة

من حدِّ السكاكين،

تعالي ننتمي للمجزرةْ !...


سقطت كالوَرَق الزائد

أسرابُ العصافير

بآبار الزمنْ...

وأنا أنتشل الأجنحة الزرقاء

يا ريتا،

أنا شاهدةُ القبر الذي يكبرُ

يا ريتا،

أنا مَنْ تحفر الأغلالُ

في جلديَ

شكلاً للوطنْ...



(عاشق من فلسطين)


عيونِك شوكةٌ في القلب

توجعني... وأعبدُها

وأحميها من الريحِ

وأُغمدها وراء الليل والأوجاع... أغمدها

فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ

ويجعل حاضري غدُها

أعزَّ عليَّ من روحي

وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ

بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، إثنينِ!



كلامُكِ... كان أغنيهْ

وكنت أُحاول الإنشاد

ولكنَّ الشقاء أحاط بالشفة الربيعيَّة

كلامك، كالسنونو، طار من بيتي

فهاجر باب منزلنا، وعتبتنا الخريفيَّه

وراءك، حيث شاء الشوقُ...

وانكسرت مرايانا

فصار الحزن ألفينِ

ولملمنا شظايا الصوت...

لم نتقن سوى مرثيَّة الوطنِ!

سنزرعها معاً في صدر جيتارِ

وفق سطوح نكبتنا، سنعرفها

لأقمارٍ مشوَّهةٍٍ...وأحجارِ

ولكنّي نسيتُ... نسيتُ... يا مجهولةَ الصوتِ:

رحيلك أصدأ الجيتار... أم صمتي؟!



رأيتُك أمسِ في الميناءْ

مسافرة بلا أهل... بلا زادِ

ركضتُ إليكِ كالأيتامُ،

أسأل حكمة الأجداد:

لماذا تُسحبُ البيَّارة الخضراءْ

إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناءْ

وتبقى، رغم رحلتها

ورغم روائح الأملاح والأشواق،

تبقى دائماً خضراء؟

وأكتب في مفكرتي:

أُحبُّ البرتقال. وأكرهُ الميناء

وأَردف في مفكرتي:

على الميناء

وقفتُ. وكانت الدنيا عيونَ شتاءْ

وقشر البرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء!



رأيتُكِ في جبال الشوك

راعيةً بلا أغنام

مطارَدةً، وفي الأطلال...

وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار

أدقُّ الباب يا قلبي

على قلبي...

يقرم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار!



رأيتكِ في خوابي الماء والقمحِ

محطَّمةً. رأيتك في مقاهي الليل خادمةً

رأيتك في شعاع الدمع والجرحِ.

وأنتِ الرئة الأخرى بصدري...

أنتِ أنتِ الصوتُ في شفتي...

وأنتِ الماء، أنتِ النار!



رأيتكِ عند باب الكهف... عند النار

مُعَلَّقَةً على حبل الغسيل ثيابَ أيتامك

رأيتك في المواقد... في الشوارع...

في الزرائب... في دمِ الشمسِ

رأيتك في أغاني اليُتم والبؤسِ!

رأيتك ملء ملح البحر والرملِ

وكنتِ جميلة كالأرض... كالأطفال... كالفلِّ

وأُقسم:

من رموش العين سوف أُخيط منديلا

وأنقش فوقه شعراً لعينيكِ

وإسماً حين أسقيه فؤاداً ذاب ترتيلا...

يمدُّ عرائش الأيكِ...

سأكتب جملة أغلى من الشُهَدَاء والقُبَلِ:

"فلسطينيةً كانتِ. ولم تزلِ!"

فتحتُ الباب والشباك في ليل الأعاصيرِ

على قمرٍ تصلَّب في ليالينا

وقلتُ لليلتي: دوري!

وراء الليل والسورِ...

فلي وعد مع الكلمات والنورِ.

وأنتِ حديقتي العذراءُ...

ما دامت أغانينا

سيوفاً حين نشرعها

وأنتِ وفيَّة كالقمح...

ما دامت أغانينا

سماداً حين نزرعها

وأنت كنخلة في البال،

ما انكسرتْ لعاصفةٍ وحطّابِ

وما جزَّت ضفائرَها

وحوشُ البيد والغابِ...

ولكني أنا المنفيُّ خلف السور والبابِ

خُذينيَ تحت عينيكِ

خذيني، أينما كنتِ

خذيني، كيفما كنتِ

أردِّ إليَّ لون الوجه والبدنِ

وضوء القلب والعينِ

وملح الخبز واللحنِ

وطعم الأرض والوطنِ!

خُذيني تحت عينيكِ

خذيني لوحة زيتيَّةً في كوخ حسراتِ

خذيني آيةً من سفر مأساتي

خذيني لعبة... حجراً من البيت

ليذكر جيلُنا الآتي

مساربه إلى البيتِ!



فلسطينيةَ العينين والوشمِ

فلسطينية الإسمِ

فلسطينية الأحلام والهمِّ

فلسطينية المنديل والقدمَين والجسمِ

فلسطينية الكلمات والصمتِ

فلسنينية الصوتِ

فلسطينية الميلاد والموتِ

حملتُك في دفاتريَ القديمةِ

نار أشعاري

حملتُك زادَ أسفاري

وباسمك، صحتُ في الوديانْ:

خيولُ الروم!... أعرفها

وإن يتبدَّل الميدان!

خُذُوا حَذَراً...

من البرق الذي صكَّته أُغنيتي على الصوَّانْ

أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسانْ

أنا. ومحطِّم الأوثانْ.

حدود الشام أزرعها

قصائد تطلق العقبان!

وباسمك، صحت بالأعداءْ:

كلي لحمي إذا نمت ياديدانْ

فبيض النمل لا يلد النسور

وبيضةُُ الأفعى...

يخبىء قشرُها ثعبانْ!

خيول الروم... أعرفها

وأعرف قبلها أني

أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:31 pm

(إلى أمي)


أحنُّ إلى خبز أُمي

وقهوة أُمي

ولمسة أُمي..

وتكبرُ فيَّ الطفولةُ

يومًا على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأني

إذا مُتُّ،

أخجل من دمع أُمي!



خذيني، إذا عدتُ يومًا

وشاحًا لهُدْبِكْ

وغطّي عظامي بعشب

تعمَّد من طهر كعبك

وشُدّي وثاقي ..

بخصلة شَعر ..

بخيطٍ يلوِّح في ذيل ثوبك ..

عساني أصيرُ إلهًا

إلهًا أصير ..

إذا ما لمستُ قرارة قلبك !



ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقودًا بتنور ناركْ ..

وحبل غسيل على سطح دارك

لأني فقدتُ الوقوفَ

بدون صلاة نهارك

هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافير

درب الرجوع ..

لعُش انتظارِك




(قصيدة الأرض)


مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مُهمَلهْ

وعينان نائمتانْ

أعود ثلاثين عامًا

وخمسَ حروب

وأشهد أن الزمانْ

يخبِّىءُ لي سنبلهْ

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساء مساء

وكان المغنّي يُغَنّي

ويستجوبونه:

لماذا تغنّي?

يردُّ عليهم:

لأنّي أُغَنّي

وقد فتَّشوا صدرَهُ

فلم يجدوا غير قلبهْ

وقد فتشوا قلبَهُ

فلم يجدوا غير شعبهْ

وقد فتَّشوا صوتَهُ

فلم يجدوا غير حزنهْ

وقد فتَّشوا حزنَهُ

فلم يجدوا غير سجنهْ

وقد فتَّشوا سجنَهُ

فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود

وراء التلال

ينام المغنّي وحيدًا

وفي شهر آذار

تصعد منه الظلال


(عندما يذهب الشهداء إلى النوم (

تصبحون على وطن

عندما يذهب الشهداء الى النوم أصحو
وأحرسهم من هواة الرِّثاء

أقول لهم :
تُصبحون على وطن،
من سحابٍ ومن شجرٍ،
من سراب وماء

أهنئُهُم بالسلامةِ من حادثِ المُستحيل
ومن قيمة المذبح الفائضة
وأسرقُ وقتَا لكي يسرقوني من الوقتِ.

هل كُلُنا شهداء؟

وأهمس :
يا أصدقائي اتركوا حائطاَ واحداً،
لحبال الغسيل،
اتركوا ليلةًَ للغناء

اُعلِّق أسماءكم أين شئتم فناموا قليلاً،
وناموا على سلم الكرمة الحامضة

لأحرس أحلامكم من خناجر حُراسكم
وانقلاب الكتاب على الأنبياء

وكونوا نشيد الذي لا نشيد له
عندما تذهبون إلى النوم هذا المساء

أقول لكم :
تصبحون على وطنٍ
حمّلوه على فرس راكضه

وأهمس :

يا أصدقائي لن تصبحوا مثلنا ...
حبل مشنقةٍ غامضه !




)جواز سفر)


لم يعرفوني في الظلال التي

تمتصُّ لوني في جواز السفرْ

وكان جرحي عندهم معرضاً

لسائح يعشق جمع الصور

لم يعرفوني، آه... لا تتركي

كفي بلا شمسٍ،

لأن الشجر

يعرفني...

تعرفني كل أغاني المطر

لا تتركيني شاحباً كالقمر!


كلُّ العصافير التي لاحقتْ

كفى على باب المطار البعيد

كل حقول القمح،

كل السجونِ،

كل القبور البيض

كل الحدودِ،

كل المناديل التي لوَحتْ،

كل العيونِ

كانت معي، لكنهم

قد أسقطوها من جواز السفر!


عارٍ من الاسم، من الانتماء ْ؟

في تربة ربَّيتها باليدينْ؟

أيوب صاح اليوم ملء السماء:


لا تجعلوني عبرة مرتين!


يا سادتي! يا سادتي الأنبياء

لا تسألوا الأشجار عن اسمها

لا تسألوا الوديان عن أُمها

من جبهتي ينشق سيف الضياء

ومن يدي ينبع ماء النهر

كل قلوب الناس... جنسيتي

فلتسقطوا عني جواز السفر!



(تعاليم حُوريَّة(


فَكَّرتُ يومًا بالرحيل، فحطَّ حَسُّونٌ على يدها ونام.

وكان يكفي أَن أُداعِبَ غُصْنَ دالِيَةٍ على عَجَلٍ...

لتُدْركَ أَنَّ كأسَ نبيذيَ امتلأتْ.

ويكفي أَن أنامَ مُبَكِّرًا لتَرَى مناميَ واضحًا،

فتطيلُ لَيْلَتَها لتحرسَهُ...

ويكفي أَن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أَنَّ عنواني تغيَّر،

فوق قارِعَةِ السجون، وأَنَّ

أَيَّامي تُحوِّمُ حَوْلَها... وحيالها

أُمِّي تَعُدُّ أَصابعي العشرينَ عن بُعْدٍ.

تُمَشِّطُني بخُصْلَةِ شعرها الذَهَبيّ.

تبحثُ في ثيابي الداخليّةِ عن نساءٍ أَجنبيَّاتٍ،

وَتَرْفُو جَوْريي المقطوعَ.

لم أَكبَرْ على يَدِها كما شئنا:

أَنا وَهِيَ، افترقنا عند مُنْحَدرِ الرُّخام... ولوَّحت سُحُبٌ لنا،

ولماعزٍ يَرِثُ المَكَانَ.

وأَنْشَأَ المنفى لنا لغتين:

دارجةً... ليفهَمَها الحمامُ ويحفظَ الذكرى،

وفُصْحى... كي أُفسِّرَ للظلال ظِلالَهَا!

ما زلتُ حيًّا في خِضَمِّكِ.

لم تَقُولي ما تقولُ الأُمُّ للوَلَدِ المريضِ.

مَرِضْتُ من قَمَرِ النحاس على خيام البَدْوِ.

هل تتذكرين طريق هجرتنا إلى لبنانَ،

حَيْثُ نسيتِني ونسيتِ كيسَ الخُبْزِ [كان الخبزُ قمحيًّا].

ولم أَصرخْ لئلاَّ أُوقظَ الحُرَّاسَ.

حَطَّتْني على كَتِفَيْكِ رائحةُ الندى.

يا ظَبْيَةً فَقَدَتْ هُنَاكَ كِنَاسَها وغزالها...

لا وَقْتَ حَوْلَكِ للكلام العاطِفيِّ.

عَجَنْتِ بالحَبَقِ الظهيرةَ كُلَّها.

وَخَبَزْتِ للسُّمَّاقِ عُرْفَ الدِيك.

أَعْرِفُ ما يُخَرِّبُ قلبَكِ المَثْقُوبَ بالطاووس،

مُنْذُ طُرِدْتِ ثانيةً من الفردوس.

عالَمُنا تَغَيَّر كُلُّهُ، فتغيَّرتْ أَصواتُنا.

حتّى التحيَّةُ بيننا وَقَعَتْ كزرِّ الثَوْبِ فوق الرمل،

لم تُسْمِعْ صدًى.

قولي: صباح الخير!

قولي أيَّ شيء لي لتمنَحَني الحياةُ دَلالَها.

هي أُختُ هاجَرَ.

أُختُها من أُمِّها.

تبكي مع النايات مَوْتى لم يموتوا.

لا مقابر حول خيمتها لتعرف كيف تَنْفَتِحُ السماءُ،

ولا ترى الصحراءَ خلف أَصابعي لترى حديقَتَها على وَجْه السراب،

فيركُض الزَّمَنُ القديمُ

بها إلى عَبَثٍ ضروريٍّ:

أَبوها طار مثلَ الشَرْكَسيِّ على حصان العُرْس.

أَمَّا أُمُّها فلقد أَعدَّتْ،

دون أن تبكي، لِزَوْجَة زَوْجِها حنَّاءَها،

وتفحَّصَتْ خلخالها...

لا نلتقي إلاَّ وداعًا عند مُفْتَرَقِ الحديث.

تقول لي مثلاً: تزوّجْ أَيَّةَ امرأة مِنَ

الغُرَباء، أَجمل من بنات الحيِّ.

لكنْ، لا تُصَدِّقْ أَيَّةَ امرأة سوايَ.

ولا تُصَدِّقْ ذكرياتِكَ دائمًا.

لا تَحْتَرِقْ لتضيء أُمَّكَ، تلك مِهْنَتُها الجميلةُ.

لا تحنَّ إلى مواعيد الندى.

كُنْ واقعيًّا كالسماء.

ولا تحنّ إلى عباءة جدِّكَ السوداءِ،

أَو رَشوَاتِ جدّتكَ الكثيرةِ،

وانطلِقْ كالمُهْرِ في الدنيا. وكُنْ مَنْ أَنت حيث تكون.

واحملْ عبءَ قلبِكَ وَحْدَهُ...

وارجع إِذا اتَّسَعَتْ بلادُكَ للبلاد وغيَّرتْ أَحوالَها...

أُمِّي تضيء نُجُومَ كَنْعَانَ الأخيرةَ،

حول مرآتي،

وتَرْمي، في قصيدتِيَ الأَخيرةِ، شَالَها! .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:32 pm

التكملة:
(يوميات جرح فلسطيني)

" رباعيات مهداة الى فدوى طوقان "


(1)
نحن في حل من التذكار فالكرمل فينا
وعلى أهدبنا عشب الجليل
لا تفولي : ليتنا نركض كالنهر اليها لا تقولي
نحن في لحم بلادي, وهي فينا

(2)
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا لم يتفتت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعاراً ولكنا نقاتل!

(3)
ذلك الظل الذي يسقطفي عينيك
شيطان إله
جاء من شهر حزيران لكي يعصب –
بالشمس الجباه
انه لون شهيدٍ
انه طعم صلاةً
انه يقتل أو يحيي, وفي الحالتين: آه!

(4)
أول الليل على عينيك كان
في فؤادي قطرة من آخر الليل الطويل
والذي يجمعنا الساعة في هذا المكان
شارع العودة ..... من عصر الذبول!

(5)
صوتك الليلة سكين وجرح وضماد
ونعاس جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفي وعادوا
مرة أخرى سبايا

(6)
كلمات الحب لم تصدأ ولكن الحبيب
واقع في الأسر – ياحبي الذي حملني
شرفات خلعتها الريح .. أعتاب بيوت وذنوب
لم يسع قلبي سوى عينيك في يوم من الايام
والآن اغتنى بالوطن!...

(7)
وعرفنا ما الذي يجعل صوت القبره
خنجرا يلمع في وجه الغزاه
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبره
مهرجاناً وبساتين حياه!

(Cool
عندما كنت تغنين رأيت الشرفات
تهجر الجدران والساحة ترتد الى
خضر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى ولا نبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل !

(9)
في دمي من وجهه صيف ونبض مستعار
عدت خجلان الى البيت, فقد خر على –
جرحي شهيدا
كان مأوى ليلة الميلاد كان الانتظار
وأنا أقطف من ذاكراه عيدا

(10)
الندى والنار عيناه, اذا ازددت –
اقترابا منه ... غنى
وتبخرت على ساعده لحظه صمت وصلاه
آه سميه كما شئت شهيدا
إنه اجمل منا
غادر الكوخ فتىً ثم اتى حين أتى
وجه إله!

(11)
هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء
تعد الصيف بقمح وكواكب
فاعبديها نحن في احشائها ملح وماء
وعلى أحضانها جرح ... يحارب

(12)
دمعتي في الحلق يا أخت, وفي عيني –
نار
وتحررت من الشكوى على باب الخليفه
كل من ماتوا, ومن سوف يموتون على –
باب النهار
عانقوني, صنعوا مني قذيفة!




(أربعة عناوين شخصية)


1 - متر مربع في السجن



هو البابُ، ما خلفه جنَّةُ القلب. أشياؤنا

- كُلُّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب،

بابُ الكنايةِ، باب الحكاية. بابٌ يُهذِّب أيلولَ.

بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ.

لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي

عاشقًا ما أراهُ وما لا أراهُ

أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للبابِ؟

زنزانتي لا تضيء سوى داخلي..

وسلامٌ عليَّ، سلامٌ على حائط الصوتِ

ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك

أُحبُّ فُتاتَ السماءِ التي تتسلل من كُوَّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول،

وأشياءَ أمِّي الصغيرة..

رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ

أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريفِ وبين الشتاءِ

وأبناءَ سجَّانِنا، والمجلاَّت فوق الرصيف البعيدِ

وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ

حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ

وحريتي: أنْ أوسِّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ

بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ

لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ..



2- مقعدٌ في قطار



مناديلُ ليست لنا

عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ

ضوءُ المحطة

وردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِ

دموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنا

من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول؟

زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديد

نسافر بحثًا عن الصِّفْر

لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا

مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِ

قطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِ

في كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍ

كُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ

نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش

نوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغات

تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ؟

أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا؟

بعيدٌ أنا عن بعيديَ

ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِ

ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ

نحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه

لا نستطيع عبور الصدى مرتين



3 - حجرة العناية الفائقة



تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ

لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ

لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري

تصبَّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيَّ

تبعثرتُ فوق السرير

تقيَّأت

غبتُ قليلاً عن الوعي

متُّ

:وصحتُ قبيل الوفاة القصيرةِ

إني أحبُّكِ، هل أدخل الموت من قدميكِ؟

ومتُّ.. ومتُّ تمامًا

فما أهدأ الموت لولا بكاؤك

ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ

أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ

وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي

:هو القلب ضلَّ قليلاً وعادَ، سألتُ الحبيبة

في أيِّ قلبٍ أُصبتُ? فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤإلى بدمعتها

أيها القلب.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي؟

لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ

ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ

بعثنا الرسائل
قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ

وما زال في العمر وقتٌ لنشرُد

ويا أيها القلب، كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ

تمهَّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ

:تمهَّل.. تمهَّلْ لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتَها وهي تصرخ

خُذني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:35 pm

4 - غرفة في فندق



سلامٌ على الحب يوم يجيءُ

ويوم يموتُ، ويومَ يُغَيِّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ

هل يخسرُ الحبُّ شيئًا? سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ

نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ

ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، إلخ.. إلخ..

سننسى بقايا كلام على مقعدين


سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان

سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة

يأتي سوانا ويرقد في نومنا، إلخ.. إلخ

كيف كُنَّا نُصَدِّقُ أجسادَنا في الفنادقِ؟

كيف نُصَدِّقُ أَسرارنَا في الفنادق؟

يأتي سوانا، يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ

ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير .. إلخ.. إلخ..

المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابرانِ على الحبِّ قبل قليلٍ

ويأتي الوداعُ سريعًا سريعًا

أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى؟
أما قلتِ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيري؟

أما قلتُ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السريرِ؟

سنمشي الخطى ذاتها كي يجيءَ سوانا ويمشي الخطى ذاتها.. إلخ.. إلخ



(كمقهي صغير هو الحب)


كمقهي صغير علي شارع الغرباء
هو الحبّ... يفتح أَبوابه للجميع.
كمقهي يزيد وينقص وَفْق المناخ:
إذا هَطَلَ المطر ازداد روَّاده،
وإذا اعتدل الجوّ قَلّوا ومَلّوا...
أَنا هاهنا يا غريبة في الركن أجلس
ما لون عينيكِ؟ ما اَسمك؟ كيف
أناديك حين تمرِّين بي ، وأَنا جالس
في انتظاركِ؟
مقهي صغيرٌ هو الحبّ. أَطلب كأسيْ
نبيذ وأَشرب نخبي ونخبك. أَحمل
قبَّعتين وشمسيَّة. إنها تمطر الآن.

تمطر أكثر من أيِّ يوم، ولا تدخلينَ
أَقول لنفسي أَخيرا: لعلَّ التي كنت
أنتظر انتظَرتْني... أَو انتظرتْ رجلا
آخرَ انتظرتنا ولم تتعرف عليه/ عليَّ،
وكانت تقول: أَنا هاهنا في انتظاركَ.
ما لون عينيكَ؟ أَيَّ نبيذٍ تحبّ؟
وما اَسمكَ؟ كيف أناديكَ حين
تمرّ أَمامي
كمقهي صغير هو الحب


(أنا يوسف يا أبي)


أَنا يوسفٌ يا أَبي.

يا أَبي، إخوتي لا يحبُّونني،

لا يريدونني بينهم يا أَبي.


يَعتدُون عليَّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ

يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني

وهم أَوصدُوا باب بيتك دوني

وهم طردوني من الحقلِ

هم سمَّمُوا عنبي يا أَبي

وهم حطَّمُوا لُعبي يا أَبي


حين مرَّ النَّسيمُ ولاعب شعرِي

غاروا وثارُوا عليَّ وثاروا عليك،

فماذا صنعتُ لهم يا أَبي?

الفراشات حطَّتْ على كتفيَّ،

ومالت عليَّ السَّنابلُ،

والطَّيْرُ حطَّتْ على راحتيَّ

فماذا فعَلْتُ أَنا يا أَبي،

ولماذا أَنا?


أَنتَ سمَّيتني يُوسُفًا،

وهُمُو أَوقعُونيَ في الجُبِّ، واتَّهموا الذِّئب;

والذِّئبُ أَرحمُ من إخوتي..

أبتي! هل جنَيْتُ على أَحد عندما قُلْتُ إنِّي:

رأَيتُ أَحدَ عشرَ كوكبًا، والشَّمس والقمرَ، رأيتُهُم لي ساجدين؟


(لا أنام لأحلم)


لا أَنام لأحلم قالت لَه
بل أَنام لأنساكَ. ما أطيب النوم وحدي
بلا صَخَب في الحرير، اَبتعدْ لأراكَ
وحيدا هناك، تفكٌِر بي حين أَنساكَ/
لا شيء يوجعني في غيابكَ
لا الليل يخمش صدري ولاشفتاكَ...
أنام علي جسدي كاملا كاملا
لا شريك له،
لا يداك تشقَّان ثوبي، ولا قدماكَ
تَدقَّان قلبي كبنْدقَة عندما تغلق الباب/
لاشيء ينقصني في غيابك:
نهدايَ لي. سرَّتي. نَمَشي. شامتي،

ويدايَ وساقايَ لي. كلّ ما فيَّ لي
ولك الصّوَر المشتهاة، فخذْها
لتؤنس منفاكَ، واَرفع رؤاك كَنَخْب
أخير. وقل إن أَردت: هَواكِ هلاك.
وأَمَّا أَنا، فسأصْغي إلي جسدي
بهدوء الطبيبة: لاشيء، لاشيء
يوجِعني في الغياب سوي عزْلَةِ الكون



(الآن... في المنفي)

الآن... في المنفي.. نَعَمْ في البيتِ،
في السٌِتينَ من عمْر سريع
يوقدون الشَّمْعَ لَكْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:36 pm

فافرَحْ، بأقصي ما استطعتَ من الهدوء،
لأنَّ موتا طائشا ضَلَّ الطريقَ إليك
من فرط الزحام... وأَجَّلكْ

قَمَر فضوليّ علي الأطلال،
يضحك كالغبيٌ
فلا تصدٌِقْ أنه يدنو لكي يستقبلَكْ
هوَ، في وظيفته القديمةِ، مثل آذارَ
الجديدِ... أَعادَ للأشجار أَسماءَ الحنينِ
وأَهمَلكْ.

فلتحتفلْ مع أَصدقائكَ بانكسار الكأس.
في الستين لن تَجِدَ الغَدَ الباقي
لتحملَه علي كَتِفِ النشيد... ويحملَكْ

قلْ للحياةِ، كما يليق بشاعر متمرٌِسِ:
سِيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ. لكلٌِ واحدةِ نداء ما خفيّ
هَيْتَ لَكْ/ ما أَجملَكْ!

سيري ببطء، يا حياة، لكي أَراك
بِكامل النقْصَان حولي. كم نسيتكِ في
خضمٌِكِ باحثا عنٌِي وعنكِ. وكلَّما أدركت
سرٌا منك قلت بقسوة: ما أَجهلَكْ!

قل للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرت... لأكملك!



(من نشيد الإنشاد)

خرجت أطلب في الليل من أحبته نفسي

وضعت وشمي علي جبهتي، وضَمَّخت رأسي

قابلني العسس الساري في هواء المدينة ْ
فشق صدري وأبقي قلبي لديه رهينة ْ

بالله يا من ستَلقي
في ذات يوم حبيبي
أخبرهُ أني انتظرتْ
إلي الصباحِ.. ومِتْ


1970



(العودة من المنفي)

لَمَّا تحررتِ المدينة عدت من
منفايَ
أبحث في وجوه الناسِ عن
صحبي
فلم أَعْثر علي أحَدٍ
وأدركني الكلالْ

فسألت عن أهلي، وعن دارِ لنا
فاستغرب الناس السؤالْ
وسألت عن شَجرٍ قديمٍ،
كان يكتنف الطريقَ إلي التلالْ
فاستغربَ الناس السؤالْ
وبحثت عن نهرِ المدينةِ دون جدوي،
وانتبهت إلي رمادِ نازِلٍ
من جمرِة الشَّمس التي كانت تميل إلي الزوالْ
وفَزِعت حين رأيت أهلَ مدينتي
يتحدثون بلكنةِ عجماء متجهين نحوي
فابتعدتُ
وهم أمامي يتبعون تراجعي بخطي ثِقالْ
حتي خرجت من المدينة مثقلا بحقائبي
وانهرت مثل عمودِ ملح ٍ
في الرمالْ


باريس ­ نوفمبر 1979



(فرحا بشيء ما)

فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنْت أَحتضن
الصباح بقوَّة الإنشاد، أَمشي واثقا
بخطايَ، أَمشي واثقا برؤايَ، وَحْي ما
يناديني: تعال! كأنَّه إيماءة سحريَّة ٌ،
وكأنه حلْم ترجَّل كي يدربني علي أَسراره،
فأكون سيِّدَ نجمتي في الليل... معتمدا
علي لغتي. أَنا حلْمي أنا. أنا أمّ أمِّي
في الرؤي، وأَبو أَبي، وابني أَنا.

فرحا بشيء ما خفيٍّ، كان يحملني
علي آلاته الوتريِّة الإنشاد . يَصْقلني
ويصقلني كماس أَميرة شرقية
ما لم يغَنَّ الآن
في هذا الصباح
فلن يغَنٌي

أَعطنا، يا حبّ، فَيْضَكَ كلَّه لنخوض
حرب العاطفيين الشريفةَ، فالمناخ ملائم،
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا،
يا حبُّ! لا هدفٌ لنا إلا الهزيمةَ في
حروبك.. فانتصرْ أَنت انتصرْ، واسمعْ
مديحك من ضحاياكَ: انتصر! سَلِمَتْ
يداك! وَعدْ إلينا خاسرين... وسالما!

فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنت أَمشي
حالما بقصيدة زرقاء من سطرين، من
سطرين... عن فرح خفيف الوزن،
مرئيٍّ وسرِّيٍّ معا
مَنْ لا يحبّ الآن،
في هذا الصباح،
فلن يحبّ


(حــــالة حصـــار)


هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
:وما يفعل العاطلون عن العمل
!نُرَبِّي الأملْ

بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً
:لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية

هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً

سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ

أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحى
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ

هنا، لا أَنا
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...

يقولُ على حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...

في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها.
ونسيانِ آخرِها.

هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:
ننسي الأَلمْ.

الألمْ
هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.

لا صدىً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صدىً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ


يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...

نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.

أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلى أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!

نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.

كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !

أُفكِّر، من دون جدوى:
بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ
على قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ،
وفي هذه اللحظة العابرةْ؟
فتوجعنُي الخاطرةْ
وتنتعشُ الذاكرةْ


عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ،
بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء
بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ
الجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُ
الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ
حقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتين


الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ
قَيْدَ التَشَابُهِ...
عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا
هو الوحيُ...
أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ
مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها


إلي ناقدٍ: لا تُفسِّر كلامي
بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور!
يحاصرني في المنام كلامي
كلامي الذي لم أَقُلْهُ،
ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي


شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي
السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد
جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ
والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في
شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد...

نحبُّ الحياةَ غداً
عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة
كما هي، عاديّةً ماكرةْ
رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ
وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ
فليكن
خفيفاً على القلب والخاصرةْ
فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ
من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!

قال لي كاتبٌ ساخرٌ:
لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ،
لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ


إلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ
وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ
الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ
وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ


إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،
إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:
قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،
فيكبر طفلاً معافي،
ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ
تارِيخَ آسيا القديمَ.
وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.
وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).
ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟
صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،
والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟
فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ
وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟


لم تكن هذه القافيةْ
ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ
ولا لاقتصاد الأَلمْ
إنها زائدةْ
كذبابٍ على المائدةْ


الضبابُ ظلامٌ، ظلامٌ كثيفُ البياض
تقشِّرُهُ البرتقالةُ والمرأةُ الواعدة.

الحصارُ هُوَ الانتظار
هُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ


وَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِ
لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ


لنا اخوةٌ خلف هذا المدى.
اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون.
ثم يقولون في سرِّهم:
ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ:
لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا.

خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ.
وعَشْرَةُ جرحى.
وعشرون بيتاً.
وخمسون زيتونةً...
بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي
سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ


في الطريق المُضَاء بقنديل منفي
أَرى خيمةً في مهبِّ الجهاتْ:
الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح،
والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ،
والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام،
وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد
فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ
إنه مَجْمَعُ الآلهةْ


قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي
فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ


إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي
فكُنْ شجراً
مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا
وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي
فكُنْ حجراً
مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا
وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي
فكن قمراً
في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا
هكذا قالت امرأةٌ
لابنها في جنازته


أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا
من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا
ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا
أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟


واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا.
ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون.
ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ على كُلِّ شيء:
علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط).
ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد
(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام).
ومختلفون علي واجبات النساء
(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ).
مختلفون على النسبة المئوية، والعامّ والخاص،
مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ...
ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.

قال لي في الطريق إلى سجنه:
عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ
كهجاء الوطنْ
مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !

قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ
يكفي
لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ
وتنظيف حَمأةِ هذا المكان


على الروح أَن تترجَّلْ
وتمشي على قَدَمَيْها الحريريّتينِ
إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن
قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم
وكأسَ النبيذِ القديم
لنقطع هذا الطريق معاً
ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ:
أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ
فتختار أَن تجلس القرفصاء على صخرة عاليةْ


إلى شاعرٍ: كُلَّما غابَ عنك الغيابْ
تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ
فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ
و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ


:يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ
هاتفي لا يرنُّ
ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ
فكيف تيقَّنتِ من أَنني
!لم أكن ههنا

:يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ
في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ
لا أَستطيعُ قراءةَ دوستويفسكي
ولا الاستماعَ إلى أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما
في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار...
إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ
في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
yashy
منصوراوي مميز
منصوراوي مميز
yashy


ذكر
عدد الرسائل : 96
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 10/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty19th أبريل 2007, 12:37 pm

يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ
فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ
يقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟
تقول: إلى بُؤرة الضوءِ في داخلي
وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ


سيمتدُّ هذا الحصار إلى أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر،
أَن الضَجَرْ
صِفَةٌ من صفات البشرْ

لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ
قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء
بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ
قلبي بريء مضيء مليء،
ولا وقت في القلب للامتحان. بلى،
لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟
هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،
وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟
لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ
هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.
عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ...
ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ

جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ
تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل
أَو في المداخن، أو في الخيام التي
نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...

على طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ
والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي
ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ
بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ


الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها
رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ
ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ
غيرِ مأهولةٍ،
فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ،
ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها.
كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها
عدَّلَتْهُ بجرَّافة.
فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ
بيضاءُ من غير سوء ...

إلي شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ
لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ
ولا أَلعبُ الجولف
لا أَفهمُ التكنولوجيا،
ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ!
أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟
لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري،
لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء.
أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة
قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟


في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً
تحجَّرَ في أَبَدِهْ
في الحصار، يصير المكانُ زماناً
تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ


هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ
أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ
لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات
فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ،
جغْرافيةْ !

أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً
ويسألني: أَين كُنْت ؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه،
وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدى


الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي.

الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدى
عن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ
علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،
لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ
عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.

الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة
إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً
من أَحَدْ.

الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ.
وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً:
كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي.
أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !

الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوى موقعي وأَثاثي الفقيرِ.
وَضَعْتُ غزالاً على مخدعي،
وهلالاً على إصبعي،
كي أُخفِّف من وَجَعي !

سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.

أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة
القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:
داءِ الأملْ.

وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.

سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في
ليل هذا النَفَقْ.

سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
سلامٌ على شَبَحي.

إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ
بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا
هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.

إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ
بالرياضة والسُخْريةْ
وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ


أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً
للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ
وشاهدةً من رخام الزمن
فأسبقهم دائماً في الجنازة:
مَنْ مات.. مَنْ ؟


الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!

الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ
وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد
وجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ ..
ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.
والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف


هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات
التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة
البُنّ في دمهم، طازجة.

هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟
قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.
عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.
فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس
يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟
فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟


الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ
الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..

فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ
الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط
نحو آخرَ مثل الغزالة.
والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا
من سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات
تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.


رام الله ـ يناير 2002



(وعود من العاصفة)


وليكن


لا بدّ لي أن أرفض الموت

وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ

وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة

فإذا كنت أغني للفرح

خلف أجفان العيون الخائفة

فلأن العاصفة

وعدتني بنبيذ

وبأنخاب جديدة

وبأقواس قزح

ولأن العاصفة

كنّست صوت العصافير البليدة

والغصون المستعارة

عن جذوع الشجرات الواقفة



وليكن ...

لا بد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة

أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة

يعبس الشارع في وجهي

فتحميني من الظل ونظرات الضغينة


سأغني للفرح

خلف أجفان العيون الخائفة

منذ هبّت في بلادي العاصفة

وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح



(عن الصمود)


لو يذكر الزيتون غارسهُ

لصار الزيت دمعا!

يا حكمة الأجدادِ

لو من لحمنا نعطيك درعا!

لكن سهل الريح،

لا يعطي عبيد الريح زرعا!

إنا سنقلع بالرموشِ

الشوك والأحزان.. قلعا!

وإلام نحمل عارنا وصليبنا!

والكون يسعى..

سنظل في الزيتون خضرته،

وحول الأرض درعا!!

ـ2ـ

إنا نحب الورد،

لكنا نحب القمح أكثرْ

ونحب عطر الورد،

لكن السنابل منه أطهرْ

بالصدر المسمر

هاتوا السياج من الصدور..

من الصدور ؛ فكيف يكسرْ؟؟

اقبض على عنق السنابلِ

مثلما عانقت خنجرْ!

الأرض ، والفلاح ، والإصرار،

قال لي كيف تقهر..

هذي الأقاليم الثلاثة،

كيف تقهر؟



( قصيدة جدارية)


هذا هو اسمكَ
قالتِ امرأة
وغابت في الممرّ اللولبي...
أرى السماء هُناكَ في متناولِ الأيدي
ويحملني جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
طفولة أخرى. ولم أحلم بأني
كنتُ أحلمُ. كلُّ شيء واقعيّ. كُنتُ
أعلمُ أنني ألقي بنفسي جانباً...
وأطيرُ. سوف أكون ما سأصيرُ في
الفلك الأخيرِ. وكلُّ شيء أبيضُ،
البحرُ المعلَّق فوق سقف غمامة
بيضاءَ. واللا شيء أبيضُ في
سماء المُطلق البيضاء. كُنتُ، ولم
أكُن. فأنا وحيد في نواحي هذه
الأبديّة البيضاء. جئتُ قُبيَل ميعادي
:فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي
"ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"
ولم أسمع هتَافَ الطيَبينَ، ولا
أنينَ الخاطئينَ، أنا وحيد في البياض،
أنا وحيدُ...
لا شيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.
لا الزمانُ ولا العواطفُ. لا أُحِسُّ بخفَّةِ
الأشياء أو ثقل
:الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل
أين "أيني" الآن؟ أين مدينة
الموتى، وأين أنا؟ فلا عدم
هنا في اللا هنا... في اللا زمان،
ولا وُجُودُ
وكأنني قد متُّ قبل الآن...
أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني
أمضي إلى ما لستُ أعرفُ. رُبَّما
ما زلتُ حيّاً في مكان ما، وأعرفُ
ما أريدُ...
سأصير يوماً فكرةً. لا سيفَ يحملُها
إلى الأرض اليباب، ولا كتابَ...
كأنها مطر على جبل تصدَّع من
تفتُّحِ عُشبة،
لا القُوَّةُ انتصرت
ولا العدلُ الشريدُ
سأصير يوماً ما أريدُ
سأصير يوماً طائراً، وأسُلُّ من عدمي
وجودي. كُلَّما احترقَ الجناحانِ
اقتربت من الحقيقةِ. وانبعثتُ من
الرماد. أنا حوارُ الحالمين، عَزفتُ
عن جسدي وعن نفسي لأكملَ
رحلتي الأولى إلى المعاني، فأحرقني
وغاب. أنا الغيابُ، أنا السماويُّ
الطريدُ. سأصير يوماً ما أريدُ
سأصير يوماً شاعراً،
والماءُ رهنُ بصيرتي. لُغتي مجاز
للمجاز، فلا أقول ولا أشيرُ
إلى مكان. فالمكان خطيئتي وذريعتي.
أنا من هناك. "هُنايَ" يقفزُ
من خُطايَ إلى مُخيّلتي...
أنا من كنتُ أو سأكون
يصنعُني ويصرعُني الفضاءُ
اللانهائيُّ
المديدُ.
سأصير يوماً ما أريدُ
سأصيرُ يوماً كرمةً،
فليعتصرني الصيفُ منذ الآن،
وليشرب نبيذي العابرون على
ثُريّات المكان السكّريِّ!
أنا الرسالةُ والرسولُ
أنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
سأصير يوماً ما أريدُ
هذا هوَ اسمُكَ
قالتِ امرأة،
وغابت في ممرِّ بياضها
!هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً
لا تختلف معهُ على حرف
ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
الغرباء
واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
الغريبُ أخُو الغريب
سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
للنايات.
يا اسمي: أين نحن الآن؟
قل: ما الآن، ما الغدُ؟
ما الزمانُ وما المكانُ
وما القديمُ وما الجديدُ؟
سنكون يوماً ما نريدُ (...).



(هنالك عرس)


هنالك عرسٌ علي بعد بيتين
فلا تغلقوا الباب لا تحجبوا نزوة
الفرح الشاذ عنا فإن ذبلت وردة
لا يحس الربيع بواجبه في البكاء
وإن صمت العندليب المريض أعار الكناري
حصته في الغناء وإن وقعت نجمة
لا تصاب السماء بسوء
هنالك عرس
فلا تغلقوا الباب في وجه هذا الهواء
المضمخ بالزنجبيل وخوخ العروس التي
تنضج الآن (تبكي وتضحك كالماء.
لا جرح في الماء. لا أثر لدم
سال في الليل(
قيل: قوي هو الحب كالموت!
قلت: ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهين أقوي من
الحب والموت/
فلننه طقس جنازتنا كي نشارك
جيراننا في الغناء
الحياة بديهية .. وحقيقية كالهباء



(أيها المارون بين الكلمات العابرة)


أيــها المـــارون بين الكلمــات العــابرة
احملــوا أســماءكم وانصـرفــوا
واســحبوا ساعــاتكم من وقتنا ،و انصرفوا
وخذوا ما شئتم مــن زرقــة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صــور،كي تعرفوا
انكم لن تعرفــوا
كيف يبني حجر من ارضنـا ســقف الـسماء


ايها الــمـــارون بــــيـــن الــكــلــمـات الـــعــابــرة
مــــنــــكــــم الــــســــيــــف - ومــــــنـــــا دمــــــنـــــا
مـــنـــكــم الــــفــــولاذ والــــنــــار- ومــــنـــا لــحــمــنـا
مـــنـــكــم دبــــابــــة اخــــــــرى- ومــــنــــا حــــجــــر
مـــنـــكــم قــنــبــلــة الــــغــــاز - ومــــنــــا الـــمــطــر
وعــلــيـنـا مــــــا عــلــيـكـم مــــــن ســـمــاء وهـــــواء
فــــخـــذوا حــصــتــكـم مـــــــن دمــــنـــا وانـــصــرفــوا
وادخـــلـــوا حـــفـــل عـــشـــاء راقــــــص..و انــصــرفـوا
وعــلــيــنــا ،نــــحـــن، ان نــــحـــرس ورد الـــشــهــداء
و عــلـيـنـا ،نـــحــن، ان نــحــيـا كـــمــا نــحــن نــشــاء


ايــــهــــا الــــمـــارون بــــيـــن الــكــلــمـات الـــعــابــرة
كــالــغـبـار الـــمـــر مـــــروا ايــنــمـا شــئــتـم ولـــكــن
لا تـــــمــــروا بـــيــنــنــا كـــالــحــشــرات الـــطـــائـــرة
خــــلـــنـــا فــــــــــي ارضـــــنــــا مـــــــــا نـــعـــمـــل
و لـــنــا قــمــح نــربـيـه و نـسـقـيـه نــــدى اجــسـادنـا
:و لـــــنــــا مـــــــــا لـــــيــــس يــرضــيــكــم هــــنــــا
حـــــــــــــــجـــــــــــــــر.. او خـــــــــــــــجـــــــــــــــل
فـــخــذوا الــمـاضـي،اذا شــئـتـم الــى ســوق الــتـحـف
و اعــيــدوا الـهـيـكـل الـعـظـمـي لـلـهـدهد، ان شـئـتـم
عــــــــــلـــــــــى صــــــــــحـــــــــن خــــــــــــــــــزف
لناما ليس يرضيكم ،لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل


ايــــهــــا الــــمـــارون بــــيـــن الــكــلــمـات الـــعــابــره
كــدسـوا اوهـامـكـم فـــي حــفـرة مـهـجورة ، وانـصـرفوا
واعـيـدوا عـقـرب الـوقـت الـى شـرعية الـعجل الـمقدس
او الــــــــــــى تــــوقــــيـــت مــوســيــقــى مــسـدس
فــلــنــا مـــــا لـــيــس يــرضـيـكـم هـــنــا ، فــانـصـرفـوا
ولــنـا مــا لـيـس فـيـكم : وطــن يـنـزف و شـعـبا يـنـزف
وطـــــنـــــا يــــصـــلـــح لــلــنــســيـان او لـــلـــذاكـــرة
ايــــهــــا الــــمـــارون بــــيـــن الــكــلــمـات الـــعــابــرة
آن ان تـــــــــــــنــــــــصــــــــرفــــــــــــوا
وتــقـيـمـوا ايــنــمـا شــئـتـم ولــكــن لا تـقـيـمـوا يــنـنـا
آن ان تـــــــــــــنــــــــصــــــــرفــــــــــــوا
ولــتـمـوتـوا ايــنـمـا شــئـتـم ولــكــن لا تــمـوتـو بـيـنـنـا
فـــــلــــنــــا فـــــــــــــي ارضــــــنــــــا مـــانـــعـــمـــل
ولــــــــــنـــــــــا الـــــــمــــــاضــــــي هــــــــــنـــــــــا
ولـــــــــنــــــــا صـــــــــــــــــوت الــــــحـــــيـــــاة الاول
ولــــــنـــــا الــحــاضــر،والــحــاضـر ، والــمــســتــقــبـل
ولــــــنــــــا الــــدنــــيــــا هــــــنــــــا...و الاخـــــــــــرة
فـــــــاخــــــرجــــــوا مــــــــــــــــــن ارضـــــــــنـــــــــا
مــــــــــــــن بـــــــرنـــــــا ..مـــــــــــــن بـــــحــــرنــــا
مــــــن قــمــحـنـا ..مـــــن مــلـحـنـا ..مـــــن جــرحــنـا
مــــــــــــــــن كــــــــــــــــل شــــــيء،واخـــــرجـــــوا
مــــــــــــــــــن ذكـــــــــريـــــــــات الـــــــــذاكـــــــــرة
أيــــهـــا الــــمـــارون بـــيـــن الــكــلـمـات الــعــابــرة
يا جماعه الموضوع للأمانة منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hot love




ذكر
عدد الرسائل : 1
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 20/04/2007

مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)   مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش) Empty20th أبريل 2007, 1:38 pm

كلام جميل جدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مجموعة الاعمال الكاملة للشاعر (محمود درويش)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ~*¤ô§ô¤*~ منتدي الشعر والخواطر ~*¤ô§ô¤*~-
انتقل الى: